رواية عائد إلى حيفا
تعد رواية عائد إلى حيفا من أهم الروايات التي كتبت في الأدب الفلسطيني، وهي للأديب والكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، وقد تم إصدار الطبعة الأولى منها عام 1969م، وترجمت لعدة لغات، منها: اليابانية عام 1969م، وإلى الروسية والانجليزية عام 1974م، وإلى الفارسية عام 1991م. وتعتبر هذه الرواية أكثر من كونها عمل روائي وأدبي، وتتحدث رواية عائد إلى حيفا عن تجربة عاشها الأديب غسان كنفاني وغيره من الفلسطينيين، وهي تحكي جرح كل فلسطيني تشرد عن أرضه، وقد تحدث في الرواية عن الوعي الجديد الذي بدأ يتكون للشعب الفلسطيني بعد النكبة التي حدثت عام 1948م، وفي الرواية محاكمة للذات وذلك عن طريق إعادة النظر فيما يتعلق بمفهومي الوطن والعودة للوطن، فبطل الرواية سعيد س وزوجته صفية يكتشفان في النهاية بعد عودتهما إلى يافا التي كانا قد تركا فيها طفلهما قبل عشرين عام بسبب الحرب أن الإنسان في النهاية هو مجرد قضية، كما أن فلسطين ليست مكانًا لاستعادة الذكريات، بل هي مكان لصناعة المستقبل.
فيلم عائد إلى حيفا
تم تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي قام بإخراجه قاسم حول وقامت بإنتاجه مؤسسة الأرض للإنتاج السينمائي في عام 1981م، وقد حصل الفيلم على أربعة جوائز عالمية، وأحداثه تدور حول صباح يوم الحادي والعشرين من شهر نيسان من عام 1948م، حين انهمرت قذائف المدفعية من منطقة تلال الكرمل العالية لتصل إلى مدينة حيفا. وفي ذلك الوقت كانت السيدة صفية زوجة السيد سعيد تاركة ابنها خلدون الذي لا يزال رضيعًا في البيت، وذهبت لتبحث عن زوجها بين الناس المذعورة، وقد اضطرا حينها للنزوح خارج البلاد.
ومرت السنوات حتى عادت السيدة صفية مع زوجها السيد سعيد إلى بيتهما بعد الحرب التي حدثت في عام 1967م، ليجدا أن ابنهما خلدون قد صار شابًّا واسمه دوف، وأنه صار مجنّدًا لدى جيش الاحتلال، كما أن هناك أسرة يهودية تبنته بعد أن استوطنت البيت بعد نزوح العائلة منه في عام 1948م. وتكمن قمة المأساة بعد أن عرف الشاب الحقيقة وأنه فلسطيني الأصل وليس يهودي، وقد انحاز حينها إلى أمه اليهودية التي تبنته وربته، وفي الوقت ذاته كان السيد سعيد معارضًا لالتحاق ولده الثاني في سلك العمل الفدائي، وبعد أن رأى أن ابنه الأول في صفوف جيش الاحتلال تمنى لو أن ابنه الثاني انضم للعمل الفدائي والمقاومة، وكان هذا الفيلم أول عمل فني من الرواية.
فيلم المتبقي
وهو من إخراج إيراني ومن إنتاج إيراني سوري، وقد تم إنتاجه عام 1994م، وهو مأخوذ من رواية عائد الى حيفا . ويتحدث الفيلم عن أحداث عام 1948م، عند احتلال عدة عصابات من اليهود للمدينة الفلسطينية حيفا وعند محاولة استيطان اليهود للمدينة، حينها تلقت السيدة صفية التي كانت تعمل في غزة مديرة لمدرسة بنات رسالة من زوجة ابنها تخبرها فيها أن ابنها الدكتور سعيد حياته في خطر، وهو أصغر أولادها، حينها سافرت إلى حيفا كي تقنعه بالهروب إلى غزة. وفي صباح اليوم التالي بدأ الاحتلال بإطلاق الرصاص، كما أن شوارع حيفا قد مُلِئَت بالعربات المصفحة بقيادة عصابات يهودية تقوم بإطلاق القذائف والرصاص على الفلسطينيين لتقتل الفلسطينيين، وحينها ترك الدكتور منزله ذاهبًا لعيادته ليعالج الجرحى والمصابين لأن ذلك واجبه الوطني، وعند عودته للمنزل لاحقته عربات اليهود، فاستشهد الطبيب أمام زوجته التي كانت قد تركت طفلها في المنزل لكي تبحث عن زوجها، وقد لقيت مصرعها بجواره وعيناها معلقتان بالحجرة التي ينام فيها طفلهما.
والطفل فرحان بقي عند أسرة مسيحية تسكن بجوار أسرته، لكن شيمون الذي كان مسؤولًا عن تهجير الفلسطينيين طرد الأسرة المسيحية من منزلهم، وأخذ منهم فرحان وأعطاه لأسرة يهودية قدمت من بولندا، وقد كانت الزوجة لا تنجب، فتبنته الأسرة وأطلقوا عليه اسم موشيه. وعلى الرغم من ذلك فلم تتوقف محاولات العائلة باسترجاع الطفل، فقد قامت جدته صفية بملازمته بصفة أنها خادمة، وحاولت استعادته لكنها فشلت، وظلت الأسرة اليهودية تشك بها. وقرر شيمون نقل الأسرة اليهودية إلى تل أبيب للاستيطان هناك، وتكمن ذروة الفيلم في التضحية بالنفس والجهاد الفدائي وذلك عندما تأخذ الجدة حقيبة من زوجها الصحفي تحتوي على قنبلة موقوتة وتصعد بها إلى قطار ينقل اليهود، وقد كان مشهدًا مليئًا بالإثارة والتوتر، وبعد أن يسير القطار يكتشف شيمون أمرها، فتقفز الجدة مع حفيدها من القطار، وينفجر القطار بعد ذلك بلحظات، فتضحي الجدة بنفسها كي يبقى حفيدها حيًّا، وقد كان هذا الفيلم ثاني عمل فني صدر من الرواية.
مسلسل عائد إلى حيفا
وكان ثالث عمل ظهرت فيه رواية عائد الى حيفا هو مسلسل سوري، عرض البعد الإنساني للقضية الفلسطينية، وقد أخرجه السوري باسل الخطيب، وكان من تأليف غسان نزال. وقد قام بتقديم ملحمة وطنية مؤثرة تم رسم شخصياتها بكل عنفوان ونبل وقدرة على المواجهة، كما أن أحداث المسلسل تتحدث عن القضية الفلسطينية في بعدها النضالي والإنساني. وتقف مشاهد المسلسل أمام حالة تراجيدية إنسانية وطنية، فذروة أحداثه تبدأ عام النكبة، ويصور المسلسل مراحل التشرد الفلسطيني والعذاب، وهي مراحل قد خاضها الكثير من الفلسطينيين بعد أن طردوا من بيوتهم وديارهم وتم حرمانهم من أرضهم وأهلهم، ويؤرخ المسلسل أحداث سقوط حيفا كل يوم بيومه عام 1948م، وذلك بتسليط الضوء على عائلة فلسطينية وعلى مصيرها، وهي عائلة الأستاذ الفلسطيني سعيد وزوجته صفية، فقد تشتت الأسرة وتهجرت وتعرضت للنزوح في المخيمات، وهذا حال الشعب الفلسطيني بأكمله حينها.
مسرحية ميلودرامية
وقد كانت المسرحية رابع عمل فني مبني على رواية عائد الى حيفا ، ومثلتها الفرقة الأردنية طقوس، وقد حملت المسرحية اسم ميلودرامية، وقد سعت الفرقة خلال المسرحية لرفع الوعي عن طريق الارتداد نحو فكرة المسرح الأولى وهي منبثقة من الأخلاق ومن الدين، وقد استفادت من الإرث الإنساني والحضاري والتراكمات المعرفية خلال القرون، وقد عملت على إنشاء نموذج مسرحي عالمي وعربي. وكانت المسرحية من إخراج يحيى البشتاوي، وقام بإدارة الإنتاج نبيل كوني، وسينوغرافيا فراس الريموني، والألحان لمراد دمرجيان، والغناء سليمان عبود، أما التمثيل والإعداد فكانا لغنام غنام. وقد قام غنام غنام بتمثيل كافة الشخصيات في المسرحية، وقدمها بلهجة الريف الفلسطيني، وقد كان تركيز العمل على شخصية سعيد، وهو والد الطفل خلدون الذي تركه أهله في حيفا عندما كان عمره خمسة أشهر، وعاد عام 1967م مع زوجته صفية ليجدا حينها أن اسمه ديفيد، وأنه جندي لدى الجيش اليهودي، وقد رفض الاعتراف بعائلته وتمسك بالعائلة اليهودية التي تبنته.
وقد طرح خلدون على والديه الكثير من الأسئلة التي شكلت جدلًا واسعًا لدى كل مَن تابع المسرحية، وهي: “لماذا تركتموني؟” ، “لماذا لم تعودوا بعد يوم أو يومين أو حتى أسبوع؟” ، “لماذا عدتم الآن بعد كل هذه السنوات؟” ، “لماذا لم تحمل السلاح وتقاتل من أجل استرجاعي؟”. وقد ركزت المسرحية على فترة زمنية محددة، وأشارت للخلافات الفلسطينية الفلسطينية، وقد قال معد المسرحية عنها ما لم يقله غسان كنفاني عن الرواية وذلك من خلال تركيزه على شخصية خالد الابن الثاني لسعيد، الذي اعتقلته السلطة في رام الله بحجة حمايته، لكن تم اختطافه من قبل اليهود وهو في سجن السلطة، ومات بسكتة قلبية وهو في سجن الاحتلال عند معرفته بالاقتتال الفلسطيني الفلسطيني، وقد أبدع غنام غنام بتقديمه لكل الشخصيات، فقد ترك تأثيرًا واضحًا على الحضور، فقد ظهرت علامات البكاء والحزن عليهم عند إشعال الأضواء نهاية العرض.
اقتباسات من رواية عائد إلى حيفا
- ” – قد بدأت الجريمة قبل عشرين سنة، ولا بد من دفع الثمن، بدأت يوم تركناه هنا.
– ولكننا لم نتركه، أنت تعرف.
– بلى، كان علينا ألّا نترك شيئًا. خلدون، والمنزل، وحيفا”. - “سألت: ما هو الوطن؟ وكنت أسأل نفسي ذلك السؤال قبل لحظة.
أجل ما هو الوطن؟ أهو هذان المقعدان اللذان ظلا في هذه الغرفة
عشرين سنة؟ الطاولة؟ ريش الطاووس؟ صورة القدس على الجدار؟
المزلاج النحاسي؟ شجرة البلوط؟ الشرفة؟ ما هو الوطن؟ خلدون؟
أوهامنا عنه؟ الأبوة؟ البنوة؟ ما هو الوطن؟ بالنسبة لبدر اللبدة، ما
هو الوطن؟ أهو صورة آية معلقة على الجدار؟ إنني أسأل فقط.” - “وكنت أقول لنفسي: ما هي فلسطين بالنسبة لخالد؟ إنه لا يعرف
المزهرية، ولا الصور، ولا السلم ولا الحليصة ولا خلدون، ومع ذلك فهي
بالنسبة له جديرة بأن يحمل المرء السلاح ويموت في سبيلها..:. - وانتهت رواية عائد إلى حيفا بقول السيد سعيد لزوجته صفية: “أرجو أن يكون خالد قد ذهب.. أثناء غيابنا!”.