قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام

قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام

يوسف

تعد قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أحد القصص القرآنية، حيث أنزل الله عز وجل سورة تفصل أحداث قصة سيدنا يوسف، وسيدنا يوسف أحد أنبياء الله وأبيه هو سيدنا يعقوب عليهما السلام، وقد كان ليوسف المكانة الكبيرة في قلب والده أي سيدنا يعقوب، وهذا ما جعل اخوته يكيدون له ويشعرن بالغيرة الكبيرة منه، وقد جاء لسيدنا يوسف مناما وقد أخبره لأبيه، وهو أنه رأى الشمس والقمر، كما ورأى أحد عشر كوكباً يسجدون له؛ فأمره والده ألا يحدث إخوته برؤياه وذلك خوفاً عليه منهم، فقد عرف أن هذه الرؤيا ستزيد من حقدهم عليه وغيرتهم منه.

إلقاء سيدنا يوسف في الجب

عندما ازداد الحقد والكره الذي يحمله أخوة يوسف له، قرروا أن يتخلّصوا منه وينفردوا بأبيهم ليحصلوا على حبّه وحدهم، فقد رأوا أنّ حبّ والدهم لسيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام ولأخيه وتفضيلهما عنهم خطأ؛ فتناقشوا فيما بينهم على الطريقة التي يمكنها تخليصهم من يوسف، دون أن يعلم والدهم بفعلتهم.

فاقترح أحدهم قتله؛ فلان قلب أحدهم وقال أنّ إلقائه في الجب أي البئر أفضل من قتله، وطلبوا إذن والدهم بأن يسمح لهم باصطحاب يوسف معهم ليلعب؛ فرفض سيدنا يعقوب عليه الصلاة والسلام وذلك خوفاً من أن يأكله الذئب وهم ساهون أي غير منتبهين عنه، لكنهم أقنعوه ثم خرجوا به وفي نيّتهم إلقاءه في البئر، ولما وصلوا ألقوه في البئر.

ثم عادوا إلى أبيهم ليلاً يمثّلون له الحزن والبكاء على ما حصل ليوسف، وأخرجوا له قميص يوسف ملطّخاً بالدماء زاعمين أنّه قد أكله الذئب، إلّا أنّ يعقوب -عليه السلام- لم يصدقهم وقال لهم: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ).

التقاط القافلة لسيدنا يوسف

بعد أن ألقى إخوة يوسف به بالبئر، جلس ينتظر رحمة ولطف الله عز وجل، وذلك حتى مرت قافلة من ذاك البئر، فرموا دلوهم في البئر ليشربوا الماء، وإذ بهم يجدون يوسف، ليصيح أحدهم (يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ)، وقد تم بيعه لوزير من مصر، وتبين الآية الكريمة المشهد الذي يوضح رجوع الوزير لزوجته، قال الله سبحانه وتعالى : (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ).

فتنة امرأة العزيز

تربى سيدنا يوسف في بيت العزيز وزوجته، وقد حاولت امرأة العزيز فتنة يوسف وذلك عند اشتداده وبلوغه، فقد أرادت ايقاعه في الفاحشة، فراودته عن نفسه واستدرجته، إلا أنه قال لها : (مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، حيث أنه اعتبر ذلك خيانة وظلما لنفسه أولا وللعزيز ثانيا حيث أنه أكرمه وآواه في بيته، وقد هرب الى الباب محالا التخلص منها إلا أنها لحقته وأمسكت بقميصه من الخلف فإنشق فورا في يدها، قال الله سبحانه وتعالى : (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ)، وحينئذ ظهر زوجها؛ فاشتكت زوجة العزيز عن يوسف عليه السلام واتّهمته بأنّه يحاول أن يغويها.

فاتجهوا الى رجل لبيب و فطن برؤية قميص يوسف إن كان قد شق من الخلف، فهو صادق و هي كاذبة، و إن كان قد شق من الأمام فهي الصادقة و يوسف من الكاذبين، إلا أن الواقع كان أن القميص قد شق من الخلف، مما يدل على أن إمرأة العزيز هي من راودت يوسف و لاحقته، و قد بينت الآيات الكريمة من سورة يوسف ذلك بما يلي الَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29).

إقرا أيضا :  كيف عذب الله أهل عاد
قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام
قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام

امرأة العزيز ومكر النسوة

شاعت هذه القصة بين نساء المدينة، وقد تحدثت كل النساء عنها بالسوء و تعجبن للأمر، فأرادت إمرأة العزيز مجابهة كيدهن بكيد و مكر اعظم، فأعدت لهن حفلاً و هيأت لهن الأرائك و والفواكه مع السكاكين، و بعد ذلك أمرت يوسف بأن يخرج عليهن ، فسحرت جميع النساء بجماله و حسن خلقته لدرجة أنهن قمن بتقطيع أيديهن أي جرحن أيديهن بالسكين، فقد جاء في الآيات الكريمة وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32).

قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام
قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام

يوسف في السجن

قرر العزيز أن يضع سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام في السجن وذلك بالرغم من علمه ببراءته، وقد عزم على أن يضعه في السجن مدّة من الزمن ليردوا التهمة عن امرأة العزيز وتجنباً لغوايتها بيوسف عندما تراه، فدخل يوسف الى السجن وقد التقى العديد من الناس هناك، وقد اشتهر بينهم بحسن أخلاقه وبقدرته على تفسير الأحلام.

إقرا أيضا :  قصة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ج 2

وقد كان في السجن فتيان قد رأى كلاهما رؤى وقد توجها الى سيدنا يوسف لتفسير أحلامهما، وقد استغل نبي الله هذه الفرصة ليدعوهما الى عبادة الله فقال لهم : (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).

وقد فسر رؤياهما فكانت رؤيا الأوّل أنه يعصر الخمر بيديه ثم يقدمه لسيده؛ فكانت بشارته أنّه سيخرج من السجن، أمّا الفتى الآخر فقد رأى أنّه يحمل الخبز وتأكل الطيور من فوق رأسه؛ فقد أخبره بأنّه سوف يصلب عقاباً له ويبقى مصلوباً إلى أن تأكل رأسه الطيور، ثم طلب سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام ممّن سيخرج أن يذكره عند الملك وأن يذكر بأنّه بريء من التهمة ليخرج من السجن، إلّا أنّ الفتى نسي الأمر وبقي يوسف -عليه السلام- في سجنه بضعة سنوات أخرى.

رؤيا الملك وتفسير سيدنا يوسف

بعد أن لبث يوسف بضع سنوات أخرى في السجن، رأى عزيز مصر في حلمه أنّ هناك سبع بقرات هزيلات ضعاف يأكلن سبع بقرات كبيرات سمان، ثم رأى سبع سنبلات خضر وأخرى مثلهنّ لكن يابسات، وحين طلب تفسير الرؤيا من حاشيته اعتذروا بأنّهم لا يعلمون تفسيرها، فتذكر الفتى سيدنا يوسف وقال لهم بأنه يعرف من يستطيع تفسير هذه الرؤيا، وأخبرهم أنّ يوسف قادر على تأويلها، قال -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ).
وقد فسر يوسف رؤيا العزيز وأخبرهم بأنّهم ستمّر عليهم سبع سنين فيهنّ رزق وبركة بسبب الخصب والأمطار، ونصحهم بأن يحفظوا من هذا الحصاد ما يكفيهم للسنين القادمة، وأشار عليهم بأن يتركوا الحصاد في سنبله حفظاً له من الفساد، وأن يبقوا قليلاً منه للأكل، ثمّ أخبرهم أنّ السنوات التي ستأتي بعد هذه السنين سنواتٌ سبع فيهنّ جدب وشدّة؛ فيستهلكون ما حفظوه من غلّة السنين الماضية، وبعد هذه السبع العجاف ستأتيهم سبع سنين ينزل فيها عليهم الغيث، وتخصب الأرض وتغلّ ويعصر الناس مما يخرج من الأرض من زيت وعنب ونحوه.

وقد طلب العزيز رؤية سيدنا يوسف الا أنه رفض ذلك، فطالب بأن تظهر براءته وقال : (ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيدِهِنَّ عَلِيمٌ)، وبذلك اعترفن النسوة بأنه كان بريئا وقد اعترفت امرأة العزيز بأنه هي من راودته عن نفسه، بذلك ظهرت برائته، وخرج من السجن.

سيدنا يوسف والوزارة

طلب يوسف من الملك بعد أن خرج من السجن بأن يجعله وزيراً للخزينة، فقال: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)، فقبل الملك ذلك وأعطاه مفاتيح الخزينة، وهذا من فضل الله على سيدنا يوسف.

إقرا أيضا :  من هم قوم عاد وماذا كان عقابهم
قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام
قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام

لقاء سيدنا يوسف بأخوته

عم القحط على البلاد وذلك كما فسر سيدنا يوسف، وقد قدر الله لقائه مع اخوته في تلك السنين، فحين دخلوا على أخيهم يوسف -عليه السلام- وكان حينها وزيراً لم يعرفوه، ولكنّه عرفهم، وطلب منهم أن يأتوا بأخيه بنيامين، وإن امتنعوا عن ذلك فلن يعطيهم المؤونة، فرجعوا إلى أبيهم ليقنعوه وأخبروه أنّ الوزير طلب جلب أخيهم؛ ليعطيهم من المؤن، وطلبوا من أبيهم أن يأخذوا معهم بينامين لكنّه رفض بدايةً عندما تذكّر ما فعلوه بيوسف قبلاً، ثمّ فتّشوا أمتعتهم ووجدوا أموالهم ومؤنهم موجودة؛ فأخبروا أباهم بذلك وبيّنوا أنّ أخذهم لأخيهم سيزيد من المؤن التي سيحصلون عليها؛ فقبل بعد ذلك وقال لهم: (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ ۖ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ).

عاد الأخوة إلى مصر ودخلوا على سيدنا يوسف ومعهم أخوهم بنيامين، وقد أمر يوسف رجاله بأن يضعوا كأس الملك الذي يشرب به في متاع أخيه بينامين، ولمّا كانوا خارجين؛ نادى عليهم واتهمهم بالسرقة، ولكنّهم قالوا أنهم لم يسرقوا، فبحث الجنود في متاعهم ووجدوا الكأس في متاع أخيه، فأبقاه يوسف عنده جزاء سرقته.

ولما رجعوا وأخبروا والدهم سيدنا يعقوب بما حدث لم يصدقهم وقال : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) وقد حزن حزنا شديدا حتى أفقده البكاء نعمة البصر، فطلب من أبنائه البحث عن يوسف وبنيامين وقد أطاعوه وذهبوا الى مصر للبحث عنهما.

التقاء الأسرة

عند ذهابهم الى مصر، التقوا بسيدنا يوسف وقالوا : (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)، وعندا عرفوا أنه أخوهم يوسف قالوا له : (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، فأعطاهم سيدنا يوسف قميصه وطلب منهم أن يلقوه على وجه أبيهم، وعندما رجعوا الى أبيهم شعر بريح يوسف، وعندما ألقى القميص على وجهه عاد اليه بصره.

خرجت عائلة سيدنا يسف متوجهين الى مصر لملاقاة سيدنا يوسف، وعند اجتماعهم سارع يوسف لطمأنة أبويه وخر الجميع بالسجود اليه، فذكر سيدنا يعقوب رؤيا سيدنا يوسف وحمد الله سبحانه وتعالى.

المصادر والمراجع