قيل بالصمت
قيل بالصمت :أحبُ سكون الليل في جلاء صمتي.. وأتلذّذ بنسمات الصباح الهادئة التي تُزين صباحي.. أعشق إطلالة غسق الدجى والفجرِ.. وأزداد صمتاً مع مولد كلّ يومٍ جديد بعمري.. في صمتي الحائر اشعر باستقرار ذاتي.. أشعر بهدوء روحي وسكون مشاعري.. الكلمات هي وحدها من أدمت قلبي.. وهي وحدها من أوجعتني..أوجعت روحي قبل جسدي.. فهي كانت مجرد كلماتٍ رُميت في غيابات الضياعِ.. مرصوفةٌ على حافات الطرق تُلقى دونما اهتمام.ِ. عَصفت الرياح بها لزمنٍ مجهولٍ.. تماماً كورقة شجر خريفيةٍ أرهقتها رياح تشرين القاسي…
في صمتي الحائر أقف على أطلال الماضي لأرى حياتي..وأتأمل بدهشة طفلٍ بريء كل أعوامي الماضية ..تسرقني اللحظاتِ، ويخونني عقلي.. فكم كانت تلك الكلمات تغصُ بقلبي.. وتحيُّر قلمي لأجد ما يليق بها من تعبيرٍ راقي… كم كانت تعصُف بفكري وتبحرُ في روحي.. وكم غاصت بقلبي لأخطُّها وأترجمها على ورقتي.. كنت أرفض إلّا أنّ تكون الكلمات بقدر قيمة مشاعري.. وكم تهتُ متخبطةً لأكتشف حروفٍ جديدة أضيفها إلى قاموسي.. لم يعرفها ولن يصل إليها عاشق قبلي…
في صمتي الحائر كم اعتذرت إلى لغتي.. فلم أجد بها يوما كلماتٍ توازي مشاعري.. لكني ابتكرت من سحر الحب في قلبي.. كنت أترجم مشاعري.. تمليها علي روحي، ويرتبها عقلي، وأخطها بقلمي.. لتخرج كلماتٍ ممزوجة بدماء قلبي.. كلماتٍ صافية كقطرات ندى الصباحِ.. وثمينة كحبات الماسِ.. وصادقة كصدق حبكَ في عيني.. وقوية كقوتي وتثبتي بك.. كلماتٍ عميقة حتى نخاعي.. كلمات اعتبرتها جزءاً من ذاتي.. كلماتٍ عانقت روحي قبل أنّ تنطق بها شفتي.. كلمات غرقت في شراييني وأوردتي.. وامتزجت بدمائي واستقرت بقلبي.. كلماتٍ كانت ذات يوم صدى حبٍ عميق جعلتُ منه منارة حياتي.. كلمات رفعتها بسمو ٍوإجلال.. زيتنتها، نمقتها، تلاعبت بها، غلفتها بهالة عشقٍ لن ينتهي.. كلماتٍ توجتها بقصرٍ عاجي.. خوفا من أنّ تدركها مشاعر المحبين في يومِ..
وذات صباحٍ ملبّد بالغيوم ذُهلت من الحقيقة التي أخبرتني بها كلماتي.. لن أجد من يستحقني!!… لن أجد من يُقدرني.. أُصبت بالذهول ولكني أدركتُ بقرارة نفسي أنّها ليست إلا كلماتٍ أشعر بها وحدي.. وأُدركُ ندرتها وحدي.. وأيقنت بعدها بأنّ جمال الكلمات بصمتها وسكونها..، وأنّ قيمة الكلمات وندرتها بصمتها وترفُّعها عن أفواه الآخرين.. وأدركت أنّ الصمت أرقى لغة بالوجود..